دور المرأة المسلمة في عملية التغيير السياسي الحقيقي (مترجم)
على مدى مائة عام، تتزايد المشاكل في بلاد المسلمين وتتفاقم وتتعقّد وتندفع نحو نهاية قاتلة. إن الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء في حاجة ماسة إلى تغيير سياسي عاجل. إنّ السياسة هي الأداة الأساسية في تنظيم الشؤون الإنسانية. بعبارات أخرى؛ السياسة هي الوسيلة الوحيدة لإحياء وتنفيذ نظام يحقق التقدم للإنسان والمجتمعات. بدون تغيير سياسي لا يمكن إيجاد حلول لمشاكل الإنسان ولا تنفيذ هذه الحلول بشكل صحيح وفعاّل مما يُرضي الله سبحانه وتعالى رب العالمين. يُعرّف الإسلام السياسة على أنها تنظيم وإدارة شؤون الإنسان والحفاظ على رفاهيته، وجعل ذلك واجباً على الرجال والنساء على حدٍ سواء. ونظراً لأن النساء المسلمات جزء حيوي لا يتجزأ من الأمة، فإنهن يشعرن أيضاً بالمتاعب في مجتمعاتهن وفي جميع أنحاء العالم. هن أيضا يشهدن عن كثب غياب الإسلام واضطهاد الأنظمة المستبدة. كمسألة بالطبع، للمرأة المسلمة أيضاً دور كبير في الصحوة السياسية وإحياء الأمة في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك؛ بصفتنا نساء مسلمات، يجب أن ندير سياسة تؤدي إلى تغيير جذري، بما يرضي الله تعالى، مع إدراك أن هذا واجب علينا!
نحن نعلم أن الرأسمالية لا تتسامح مع “صورة المرأة المسلمة السياسية” التي تطمح وتدعو إلى حياة إسلامية. هذا هو السبب في أننا لا نجد أبداً العالم الرأسمالي الغربي وأنظمته الدمى في البلاد الإسلامية تمنح التقدير والثناء والحرية والنجاح وصوتاً في الإعلام والسياسة للمرأة المسلمة، التي تعمل من أجل تغيير جذري في الأسلوب الإسلامي للسياسة. تقدر القوى الرأسمالية الغربية وأنظمتها الدمى في البلاد الإسلامية، بل وتُكرم بجوائز نوبل أولئك النساء، اللائي يشدن بالأهداف السياسية والثقافية وأنماط الحياة والقيم الغربية، والذين يمجدون وينشرون ويدعون إلى هذه القيم العالمية دون قيد أو شرط في بلاد المسلمين. إنهم يدعمونهنّ بأموال من المؤسسات الاستعمارية مثل الأمم المتحدة من أجل تنفيذ مشاريع في مجالات التعليم وحقوق المرأة ومحاربة الفقر والجوع. وأنشأوا مؤسسات بأسماء نساء مثل الباكستانية ملالى يوسفزاي والإيرانية شيرين عبادي واليمنية توكل كرمان، كذلك السماح لهنّ بالتحدث في المنابر الرئيسية للقوى الغربية، مثل برلمانات أمريكا والاتحاد الأوروبي؛ ويعرضون صورهنّ كمُناضلات بطوليات على صفحات العناوين وأغلفة أهم وسائل الإعلام، في المقابل؛ تقدم هؤلاء النساء قوى الكفار الغربيين الاستعمارية في بلاد المسلمين، وأنظمتهم السياسية، وديمقراطياتهم وعلمانيتهم كمحررين للمسلمين. يتألف خطابهنّ بالكامل من تمجيد الأفكار الرأسمالية. كانت بي نظير بوتو الباكستانية رائدة في الفساد الهائل، والانقسام داخل الشعب، وانتشار العنف في البلاد. ودفعت حكومة الطاغية الشيخة حسينة التي تسعى إلى تحقيق الذات في بنغلادش، الفقر في البلاد إلى مستويات لا تطاق. لقد كرّست اسمها في صفحات التاريخ من خلال الاضطهاد والقمع رداً على المطالب السياسية للمسلمين وموقفها القاسي تجاه لاجئي الروهينجا المسلمين. وفي تركيا، قامت السيدة الأولى وبناتها في المقدمة، والبرلمانيون والوزراء اللاتي يرتدين الخمار من حزب العدالة والتنمية، بتأجيل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وإعلان بيجين، واتفاقية إسطنبول، والاتفاقيات الدولية المماثلة، إنّ هؤلاء النساء يدافعن عن المساواة بين الجنسين، ويدعمن معاقبة زيجات الشباب، ويلتزمن الصمت تجاه السجن غير المبرر لآلاف النساء المسلمات البريئات، بل إنهن ينكرن الحقائق المتعلقة بالعذاب والتعذيب والإذلال الذي يتعرضن له. هؤلاء النساء اللواتي اعتنقن مبدأ أن “العلمانية ليست إسلام لوس أنجلوس” (بمعنى أن العلمانية لا تنكر الإسلام)، يتبعن خطا بطلات الديمقراطية مثل مارغريت تاتشر ومادلين أولبرايت وهيلاري كلينتون، اللاتي وقّعن على قتل ملايين الأطفال في العراق وأفغانستان ودول أخرى كثيرة من أجل مصالحهم الاستعمارية. هؤلاء النساء لا يمارسن السياسة، إنهن لسن سياسيات حقيقيات! على العكس تماما؛ إنهن دمى ضعيفة وعاجزة عن الرؤية، أجّرن عقولهنّ وقلوبهنّ وألسنتهنّ لقوى الكفر الاستعمارية! إنهنّ نساء بائسات فقدن كرامتهنّ.
هذا هو السبب في فشل كل هؤلاء النساء السياسيات الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، في الغرب وفي البلاد الإسلامية، فشلهنّ في رفع مستوى الجوع والفقر، أو تحسين المعايير الصحية والتعليمية السيئة، أو إنهاء الحروب والصراعات، على الرّغم من حجمهن الكبير في البرلمانات والوزارات وحتى في المناصب العليا في الدولة. إلى جانب ذلك لا تنوي السياسات الديمقراطية الرأسمالية أبداً حل المشكلات البشرية؛ فهي مليئة بالتناقضات في ذاتها. إنها تلتهم مبادئها الخاصة من أجل الحفاظ على وجودها الاستعماري. إن السياسة الرأسمالية الاستعمارية تمنح نفسها حقوقاً، وتحتقر المسلمين على هذه الحقوق. اليوم تصف الحجاب بأنه حق من حقوق الإنسان، وغدا تحظره لأسباب سخيفة. تقول إن العنصرية تتعارض مع حقوق الإنسان، وتزرع بذور العنصرية والقومية في بلادنا تتحدث عن حماية حقوق الأقليات، وتدعم التطهير العرقي بشكل مباشر أو غير مباشر في الصين وميانمار وكشمير والهند وجمهورية أفريقيا الوسطى وسريلانكا وأماكن أخرى. وهي تطلق دعوات السلام، لكنها تدعم النظام القاتل في سوريا، وتبيع الأسلحة لمقاوليها بالسر، السعودية وإيران، لشن حرب بالوكالة وعمليات قتل جماعي في اليمن. تتحدث عن محاربة الجوع، والاستيلاء على ثروات الدول من خلال سياسات التنمية المستدامة، وتترك شعوبها للمجاعة. لقد أقرّ الغرب الاستعماري حرية التعبير، ومع ذلك، وإدراكاً منه لقوة الإسلام والمرأة المسلمة، فإنه يصنف المسلمين، وحتى الأطفال، الذين يدافعون عن قيمهم الإسلامية، بأنهم خطرون وخطر في سياستها وإعلامها، وتحرمهم من جميع حقوقهم ويتم اضطهادهم تحت عنوان “محاربة الإرهاب والتطرف”.
نحن كمسلمات نؤمن أن العزة الحقيقية لله تعالى ورسوله ونبيه محمد المصطفى ﷺ وللمؤمنين. لن نصبح ممن يذلون أنفسهم في الدنيا والآخرة، من خلال المشاركة في اضطهاد هذا النظام العالمي الاستعماري، والمشاركة في سياسات الطغاة أو من خلال الصمت! روى أبو سعيد رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ أنه قال: «لاَ يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قَالَ: «يَرَى أَمْراً لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لاَ يَقُولُ فِيهِ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِي كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ خَشْيَةُ النَّاسِ. فَيَقُولُ فَإِيَّاىَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى» رواه ابن ماجه.
إن قهر نظام الكفر واستبداده لا يمكن أن يخيفنا ويمنعنا من الوفاء بهذا الواجب. بل على العكس تماما؛ إنهم يقووننا للعمل بعزم أكبر لتأسيس النظام الإسلامي في أسرع وقت ممكن، ولدعم أولئك الذين يعملون من أجل هذه الدعوة النبيلة بكل جهودنا، لأن هذا هو النظام الذي سيضمن الكرامة الحقيقية والأمان لجميع النساء. من أجل تحقيق ذلك، يجب أن ندعو جميع المسلمين، ولا سيما القادة المسلمين، إلى النأي بأنفسهم عن السياسة والأفكار والقيم ومشاريع واستراتيجيات الرأسمالية وجميع الأنظمة المعادية للإسلام والمسلمين التي من صنع الإنسان، والرجوع إلى عقيدتنا وأحكام الشريعة وإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ من أجل إنقاذ الأمة الإسلامية، واستعادة الرفاهية والسلام للبشرية على يد هذه الأمة الكريمة، يجب أن نتمسك بمنهج الرسول السياسي، وعلينا أن نتبنى هذا العمل السياسي الوحيد بقلوبنا وأرواحنا بإخلاص باعتباره الأسلوب الحقيقي.
إننا، أخواتكنّ في حزب التحرير، هنا لندعمكنّ ونقودكنّ في تطبيق هذه الدعوة العظيمة والمشرفة. لذا خذن بأيدينا.
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا۟ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾