القيادة الحزبية في مرحلة الدعوة وتأسيس المجتمع


بعد إلغاء الخلافة دخلت الأمة الإسلامية تحت تأثير الكفار المستعمرين وأفكارهم، وبذلك تتجلى أمامنا مرة أخرى حقيقة اقتداء المغلوب بالغالب. وبتغلغل تلك الأفكار في الأمة الإسلامية أخذت الأمة بالتخبط يمنة ويسرة مثل غثاء السيل. وبغير وعي منها على موقعها ومصيرها، تركت نفسها يتقاذفها السيل؛ بلا أمل ولا حيلة.


وفي حين من الزمان كانت الأمة الإسلامية فيه رهن حالةٍ تعاضَد فيها فقدانُ الأمل وعدمُ الحيلة، تقدم رجل هو الشيخ تقي الدين النبهاني مخاطبا هذه الأمة: يا أيها الناس! يا خير أمة أخرجت للناس! انتفضي وانزعي إلى أصلك! ولقد ارتد صدى هذا النداء مباشرة بتأسيس حزب التحرير، في وقتٍ تحكّم في الأمة سلطان الكافر المستعمر، واستمرأت هي الهزيمة، وخيم عليها اليأس، وظن الناس أن الأمة فقدت جوهرها ومعدنها الذي يميزها.


اختط حزب التحرير خطا فاصلا بين الجماعة والحزب السياسي، فعرف نفسه بأنه حزب سياسي. على أنه في كل خطوة يخطوها متأسيا برسول الله في إقامة الدولة الإسلامية، كانت تبرز شخصية الحزب السياسي، وكانت تبرز فيه الملازمة بين إقامة الدولة الإسلامية والعمل السياسي على منهاج رسول الله ﷺ. وباعتباره حزبا سياسيا قائما على أساس العقيدة الإسلامية، فهو يأخذ مكانا متميزا تماما في الأمة، ولا شك أن سبب تسنمه هذه المكانة المميزة ليس كونه يعرّف نفسه بأنه حزب سياسي فقط، بل ما انضم إلى ذلك أيضا من صراعه الفكري وكفاحه السياسي.


وأما الكفاح السياسي فناشئ عن أمر حكام هذه الأمة بالمعروف ونهيهم عن المنكر، حيث إن الذي يشكل المجتمع ويدير شؤونه إنما هم الحكام. وأمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر يستلزم بطبيعة الحال الكفاح السياسي. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. ولا شك في أن الافتراء والظلم هما المقابل المتوقع لقول الحق في وجوه الحكام ومحاسبتهم، وهم المضبوعون بالكافر المستعمر العاملون على حماية كراسيهم بذلك، ولهذا كان تاريخ الحزب مليئا بمثل هذه الافتراءات والمظالم. ولكن مهما تكن المظالم مستغرِقة وكثيرة، ومهما تتكاثر الافتراءات أيضا فلن تستطيع أن تثني الحزب عن طريقه.


توجد خاصيتان أساسيتان لازمتان لكل تكتل يريد قيادة المجتمع؛ أولاهما الفكرة والطريقة، وثانيتهما الإرادة.


لم يكتف حزب التحرير بالقول إن العنصر الوحيد لإنقاذ الأمة الإسلامية من وضعها الذي انحدرت إليه هو الوحدة بإقامة دولة الخلافة الراشدة فحسب، بل تقدم بمشروع يبين فيه ماهية دولة الخلافة الراشدة هذه وكيفية إقامتها، وكل من يقرأ كتاب مقدمة الدستور فإنه ستتمثل في ذهنه بمجرد إكمال قراءته صورة لدولة عظيمة، لا يلبث أن يعتمل الشوق إليها في صدره. وفي منشوراته التي يبز بعضها بعضا في الأهمية والقيمة، يوجد ما لا يقل أهمية للأمة عن الجوهر الفرد. وبتحليلاته السياسية التي يقوم بها الحزب كشف الألاعيب القذرة التي تحاك للأمة واحدة واحدة. قد لا تستطيعون رؤية المستقبل، لكنكم تستطيعون استكشاف قوة تحليلات الحزب للتطورات السياسية في السابق. وإذا كنا بحاجة إلى إعطاء مثال على ذلك، فيمكن التمثيل بصفقة شراء تركيا منظومة دفاع إس-400 من روسيا، حيث ذكر الحزب إذ ذاك بتاريخ الرابع من نيسان سنة 2019 أن منظومة الدفاع هذه لن يتم تفعيلها، وأنها ستودع في عنابر تحت مسمى “الحل اليوناني” بانتظار أن ينالها الصدأ. وقبل عدة أيام، قام وزير الدفاع القومي خلوصي أكار بالتذكير بالحل اليوناني، منوها بإيداع منظومة الدفاع إس-400 في العنابر وأنها لن تفعّل، تماما كما قال الحزب قبل نحو سنتين من تصريح أكار هذا.


وبالعودة إلى موضوع الطريقة، فإنها الطريقة التي سلكها رسول الله ﷺ لإقامة دولة الإسلام، أخذها الحزب من أفعال الرسول المتمثلة بإقامة تكتل، وإجراء الصراع الفكري والكفاح السياسي، وتثقيف المجتمع جماهيريا، وطلب النصرة من أهلها، حتى أقام دولة الإسلام في المدينة المنورة. ولم يتنازل الحزب عن هذه الطريقة قيد أنملة مراعاة لظروف الزمان وغيره، ذلك أن قضية الطريقة ليست قضية عقلية، بل هي شرعية فقط تستنبط من الأدلة الشرعية.


وبالعودة إلى الإرادة، فإن إمكان تطبيق الفكرة والطريقة مهما واجهتهما من صعوبات وعوائق، أمر لا يقل أهمية عن وجوب حملهما، وهذا أمر يستلزم الثبات والثقة العالية بالنفس. ولقد كان الحزب عين الأمة الإسلامية وبصرها حين كانت تعشو عن رؤية الحقائق.


لا شك بأنه لم يكن من الميسور الوصول إلى ما تم الوصول إليه اليوم، فلم يكن ميسورا البتةَ السيرُ ضد العواصف ولا ضربُ المساحي في مناطق السيول، ولم يركن حزب التحرير – على كل حال – إلى الدعة استرواحا إلى الميسور، بل على العكس، فقد تأسى بالرسول ﷺ من غير اعتبار لمواضع الصعوبة والسهولة. لم يركن إلى الأنظمة ولم يستمد العون منها انبهارا بها، بل دار مع الحكم الشرعي حيث دار وقال ما يقول. لم يلو أعناق النصوص أو يلُكِ الكلام المكرر المهمل، ولم يتشكل بحسب متطلبات الواقع. وعلى ذلك تم دفع بدل مواقف العزة والشرف: تخليدا في السجون ورفعا على أعواد المشانق.


إن الأفكار التي تبناها حزب التحرير منذ تأسيسه حتى اليوم قد بوأته في الأمة الإسلامة مصداقية، بما دأب عليه من الصدع بالحق والثباتِ على المواقف، مهما كانت الظروف، والتعلقِ بالأحكام الشرعية وعدمِ التنازل عن الفكرة والطريقة مقدار شعرة وثباتِه في وجوه الظالمين على المبدأ. قد لا يكون حزب التحرير حظي من الأعداد بالملايين، وقد لا يكون حظي بقوة مادية أو إعلامية ما، لكن صراعه الفكري وكفاحه السياسي للكفار المستعمرين ومن أذلوا لهم أعناقهم من الحكام، أثبت كفايته لقيادة الأمة الإسلامية.


وإذا كانت الأمة اليوم تتحدث بالخلافة وقد مر على إسقاطها مائة عام، وإذا كانت تتحدث بأن حل مشاكلها يكمن في إعادة هذه الخلافة، فإن هذا إنما هو نجاح لحزب التحرير، ودلالة كبرى على قيادة حزب التحرير الفعلية للأمة الإسلامية.


إن تغيير المجتمع إنما يكون بالفكر، والفكر الصحيح إنما يحمل إلى سدة الحكم والإدارة بأيادي أصحابه الذين يؤمنون به. وحزب التحرير يضم الفكر الصحيح والكوادر البشرية المناسبة له، وما بقي وراء ذلك فإنما هو المزيد والمزيد من الجهد، والإقامة مع العمل على انتظار وعد الله في ذلك اليوم المبارك. ألا وإن ذلك اليوم لقريب إن شاء الله ﴿أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ﴾.


#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
سليمان أوغرلو

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة