المسلمون اليوم قادرون على هزيمة قوى الكفر ولو اجتمعت


لقد أقام الرسول المصطفى ﷺ الدولة في المدينة ولم يلتفت إلى قوى الدول العظمى منذ بعثته حتى قيام الدولة مع علمه بالموقف الدولي آنذاك والمتمثل بدولتي فارس والروم وأن الساحة الدولية بيدهما وكل منهما له أتباع من العرب، فحال القبائل العربية في ذلك الوقت مقسم بالتبعية بين فارس والروم.


نعم لقد كان عليه أفضل الصلاة والسلام يتابع الموقف الدولي ويتابع أخبارهم، أخبار الدول القائمة آنذاك، فعندما اشتد أذى المشركين على المسلمين في مكة أشار على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة وقال عليه الصلاة والسلام لأصحابه: «إنَّ بأرضِ الحَبَشةِ ملِكاً لا يُظلَمُ أحدٌ عندَه؛ فالحَقوا ببِلادِه حتى يَجعَلَ اللهُ لكم فَرَجاً ومَخرجاً»، وكانت تصله أخبار فارس، فعن أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ. قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى قَالَ: «لن يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» رواه البخاري، بل أكثر من ذلك فقد نزلت آيات الله تتلى وهي تتحدث عن صراع فارس والروم باعتبارهما القوة الفاعلة، قال تعالى: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ﴾.


ففي كل هذا الواقع بقي الرسول الكريم ﷺ يحث الخطا ويسعى جاهدا لتحقيق غايته منذ بعثته عليه الصلاة والسلام إلى أن أقام دولته في المدينة المنورة، وهذه الغاية كانت ماثلة أمامه من أول بعثته، وهذا واضح عندما عرض المشركون ما عرضوا وكان رده كما جاء في رواية ابن إسحاق: «تَقُولُونَ كَلِمَةً وَاحِدَةً تُعْطُونَهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ»، فلما قال هذه المقالة توقفوا وتحيروا ولم يعرفوا كيف يرفضون هذه الكلمة الواحدة النافعة إلى هذه الغاية والحد. ثم قال أبو جهل: ما هي؟ وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها، قال: «تَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ». فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ إن أمرك لعجب.


ثم قال بعضهم لبعض: إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئاً مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم، حتى يحكم الله بينكم وبينه، ثم تفرقوا.


وبهذه العبارة فهم المشركون أن محمدا ﷺ لا يثنيه شيء عن دعوته لا المنح ولا المحن، سائرا بأمر الله واثقا بنصره لا يخيفه أذى المشركين ولا هالة الدول العظمى، يرى أن الله متم أمره لا محالة، يثبت أصحابه وهم يتحملون الأذى والجوع والحصار ويعدهم بنصر الله، فعنْ أبي عبدِاللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: «قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» رواه البخاري، فكان عليه الصلاة والسلام على يقين أن الله ناصره وهذا النصر ماثل أمامه وهو في قمة حالات الشدة والضيق.


وهكذا أنجز الله سبحانه وتعالى وعده لرسوله الكريم صلوات ربي وسلامه عليه فقامت الدولة الإسلامية ثم جهز الجيش وأعد العدة وقاتل المشركين وفتح مكة وانطلق إلى باقي الجزيرة العربية، وحمل الصحابة بعده الأمانة حتى سقطت فارس والروم لتكون الدولة الإسلامية الدولة الأولى بلا مزاحم أو منازع، وبقيت هذه الدولة تفتح البلدان وتنشر العدل والإسلام حتى شملت أنحاء واسعة من قارات العالم الثلاث، أوروبا وآسيا وأفريقيا، حيث خضعت لها كامل آسيا الصغرى وأجزاء كبيرة من جنوب شرق أوروبا، وغربي آسيا، وشمالي أفريقيا.


وبعد أن دخل الدخن في المنظومة الفكرية الإسلامية وأخذ الضعف الشديد يصيب أفهام المسلمين وابتعد المسلمون عن بلورة الفكرة الإسلامية ووضوح طريقتها بفعل الغزو الفكري الغربي وتكاتف دول الكفر بقيادة رأس الكفر بريطانيا ضد دولة الإسلام المتمثلة بالخلافة العثمانية، تراجعت هذه الدولة عن مركز الدولة الأولى وأخذت دول الكفر تقضمها قطعة قطعة حتى سقطت عام 1924م.


ومنذ ذلك الحين والأمة الإسلامية تبحث عن حل يخرجها من هذا التيه والضياع، ويعود بها إلى سالف عزها ومجدها، من أجل ذلك نشأ حزب التحرير على يد مؤسسه تقي الدين النبهاني رحمه الله عام 1953 وتوصل بعد دراسة عميقة للإسلام وفهم الطريقة الشرعية لإقامة الدولة الإسلامية وعودة الخلافة ثانية ممتثلا أمر الله تعالى ومتأسيا بسيرة رسوله الكريم ﷺ فانتقل من الحلقة الأولى إلى كتلة تتركز فيها الثقافة الإسلامية النقية بدليلها من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس، وتبنى منظومة فكرية متكاملة تبدأ بحل العقدة الكبرى وهي عقدة الوجود وصولا إلى الدستور وكله أمل وثقة بنصر الله لتطبيقه في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، فلاقى شبابه ما لاقى صحابة رسول الله ﷺ من الصد والأذى والقتل وبقي صامدا لا يثنيه شيء ولا توقفه المحن ولا المنح، حتى غدا حزبا سياسيا يفرض نفسه في الواقع، يزداد يقينا لتحقيق غايته وهو يرى تخبط الكافر وإفلاسه من قيادة للبشرية وتحطم الصخور التي وضعها الكافر في طريقه.


وبعد كل ما تقدم نرى كثيرا من المسلمين يسألون، كيف تقام دولة الخلافة وهناك دول عظمى قائمة وهي تكن العداء لها؟ فهل يعقل أن تتركها؟ والجواب على ذلك أن ما تقدم من سيرة المصطفى ﷺ وكيف أقام الدولة في المدينة مع وجود دول عظمى ومشركين وقفوا في وجه دعوته بكل ما ملكوا من طاقات وقدرات في سبيل إجهاض دعوته، كافٍ لمن أراد التدبر، ولنا أن نزيد في البيان ليكون المسلمون على ثقة ويقين أن دولة الإسلام قائمة وأننا نعيش الحقيقة والواقع لا الخيال أو الوهم.


أولا: هذه الدعوة هي دعوة لدين الله الذي وعد بالنصر والتمكين لمن نصره، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ والمسلم لا يتحرك أو يعمل بناء على حوله وقدرته كما هو حال الجاحد بالله، بل يقوم بالأعمال معتمدا على حول الله وقوته، وهذا الأمر عقائدي عند المسلمين.


ثانيا: لم يكن واقع الرسول الكريم بأحسن حال من واقعنا الذي نعيشه، ولا يصح القول إنه كان نبيا ولسنا أنبياء، لأن الله سبحانه وتعالى جعل من دعوة نبيه محمد ﷺ دعوة واضحة قابلة لأن يحملها المسلم المخلص لله وليس فيها أمور خارقة، فقد دعا عليه الصلاة والسلام إلى الله وهو فرد أعزل وتحمل الصد والأذى وأنشأ كتلة لاقت الأمرين من المشركين، وعرض نفسه على القبائل يطلب النصرة منهم، وعندما هاجر إلى المدينة أخذ بالأسباب من الحيطة والحذر فترك عليا كرم الله وجهه في منامه واتخذ دليلا للطريق وآخر يزيل الأثر وراءه، مع أن الله قادر على نقله إلى المدينة في طرفة عين، لئلا يحتج القاعدون والمثبطون عن حمل دعوته مستقبلا، وعندما قامت الدولة أعد العدة وجهز القوة وكانت المعارك سجالا بين المسلمين والمشركين حتى فتح مكة وانتقل إلى خارجها.


كل هذه الأعمال ترينا أنها أعمال واضحة لو تأسى بها المسلمون المخلصون وهم على ثقة بنصر الله لتحقق ما تحقق لرسوله الكريم ﷺ.


ثالثا: حال البشرية اليوم وهي تتقلب في شقاء الرأسمالية وانحطاط العلمانية والديمقراطية العفنة والتي تجعل السيادة للإنسان والعقل لا لله والشرع، يجعلها متعطشة لمن ينقذها ويأخذ بيدها إلى العيش الكريم والذي لا يمكن أن يتحقق إلا بشرع الله، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.


رابعا: ترنح دول الكفر والدول العظمى وإفلاسها للعلاج أمام البشرية بعد أن استهلكت كل ترقيعاتها فاتسع الشق عليها وبان عوارها وعجزها على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية.


خامسا: انفراد حزب التحرير كحزب سياسي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية بعد تفتت جميع الصخور التي وضعها الكافر في طريق دعوته لتشتيت جهود الأمة ممن لا يملكون خارطة الطريق الشرعية للقيام بهذا الأمر بعد استنزاف الكثير من طاقات الأمة وهم يتخبطون بها يمنة ويسرة؛ من الدعوة إلى الأخلاق أو إصلاح الفرد منفصلا عن المجتمع أو الحصول على الفتات من أنظمة الكفر القائمة والمشاركة معها في الحكم أو تبني القوة والسلاح ويا ليته كان ضد الكافر بل بين أبناء الأمة، فهذه الجماعات خرجت من الساحة بعد تخلي الأمة عنها.


سادسا: وجود أمة تعشق دينها وهي على استعداد للتضحية بحياتها في سبيل الله وتمتلك من الطاقات والرجال وأهل النصرة والقوة من جيوش المسلمين ما يجعلها متهيئة في أية لحظة لنصرة العاملين المخلصين والالتفاف حولهم، إضافة إلى ما حباه الله في بلاد المسلمين من الثروات والخيرات ما يؤهلها لا أن تكون دولة عظمى بل الدولة الأولى بلا مزاحم كما كانت.


من أجل ذلك نرى أن حزب التحرير وهو يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية وعودة الخلافة كله ثقة بتحقيق غايته متأسيا بثقة المصطفى ﷺ بتمام الأمر وهو في مكة ويتخذ كافة الوسائل والأساليب التي أباحها الشرع في سبيل تحقيق هذه الغاية.


نسالك اللهم النصر والتمكين بظل خلافة راشدة على منهاج النبوة.


#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مازن الدباغ – ولاية العراق

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة