وإنما الأمم الأخلاقُ ما بَقِيَت *** فإن همُ ذهبت أخلاقُهم ذهبوا


مما لا شك فيه أن القيم والأخلاق أصل كل شيء، فإذا فسدت القيم والأخلاق انهار الإنسان وأصبح حيوانا مفترسا، وقد أشار القرآن الكريم في أكثر من موضع إلى انحطاط الأمم وهلاكها بسبب انعدام الأخلاق فيها كقوم لوط وغيرهم. يقول سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.


وها هي الحضارة الغربية، في الوقت الذي تفرض نفسها عبر التقدم التكنولوجي والمادي سقطت منظومة القيم فيها بكل ما تحويه من أخلاق وآداب وسلوكيات والتزامات، حيث ضاعت الحشمة والوقار وصار الهتك والوقاحة جرأة، والفوضى حرية، والعنف استعراضاً للقوة، والابتذال مسايرة للعصر. وهم بذلك يهدمون هويتهم الحضارية إلى الحد الذي أصبحوا فيه يجاهرون بشذوذهم ولا يجدون حرجا في إظهار عاهاتهم النفسية وأعطابهم الوجدانية.


وقد ضربت هذه الحضارة بقوة بؤرة العلاقات والصلات التي تنبض في العادة بين الأبناء والآباء، فهوت جسور الثقة وانقطعت حبال المودة والصحبة الدائمة بين هذين المكونين، ما أدى إلى انقطاع تيار التواصل السليم فانفرط عقد الأسرة وتنصل كل من مسؤولياته. فوفق آخر الدراسات التي أجرتها BBC فإن 50% من الأمريكيين يقيمون علاقات غير شرعية، في حين بلغت النسبة في إيطاليا 38%، وفي فرنسا 36%. كما ذكرت دائرة الإحصاءات الأمريكية أن 10.4 مليون أسرة تعيلها الأم فقط دون وجود أب في أمريكا. وحسب الموقع الرسمي الحكومي لولاية نيوجيرسي الأمريكية فإن حوالي 3 ملايين امرأة في أمريكا تتعرض للاعتداء الجسدي من زوج أو صديق سنويا. وقد أكدت دراسة قامت بها وزارة الدفاع الأمريكية أن 78% من النساء في القوات المسلحة تعرضن للتحرش الجنسي من قبل الموظفين العسكريين، ما يبرز تعرض المرأة الغربية للاضطهاد والابتزاز والتحرش الجنسي بمعدلات هائلة. وكانت جريدة نيويورك تايمز قد أشارت إلى أن حوالي 50000 امرأة وطفلة يتم تهربيهن إلى الولايات المتحدة سنويا لاسترقاقهن وإجبارهن على ممارسة الدعارة.


وفي حين إن الغرب يدعي دائما التخلص من الأعمال المحرمة والمهينة التي تحط من كرامة المرأة ويتحدثون دائما عن حقوقها فإن استغلال أجساد النساء في الصور الإباحية تجلب 12 مليار دولار سنويا في أمريكا وفقا لرويترز. وقد تم تسجيل أعلى نسب للاغتصاب في أوروبا إذ ارتفعت النسبة بحدود 58% مؤخرا وهو ما يسهم في انتشار الأمراض الجنسية بشكل مرعب.


وهكذا أصبح الغرب الآن يعيش الانحلال الأخلاقي والمجتمعي والتفكك الأسري. في الوقت الذي تعتبر تلك الأسرة التي لا مكان لها في عالم الانفتاح والحريات المحضن الأخلاقي السوي الذي يؤثر في تشكيل وبناء شخصية الإنسان.


وكما ذكر المؤلف الأمريكي باتريك جيه بوكانن والذي كان مستشارا كبيرا لثلاثة رؤساء أمريكيين وخاض سباق تسمية المرشح لمنصب الرئيس عن الجمهوريين مرتين في العام 1992 وفي عام 1996في كتابه “موت الغرب” يقول: “في الوقت الذي تضاعف فيه عدد سكان العالم إلى ستة مليارات نسمه في غضون أربعين عاما توقفت الشعوب الأوروبية عن التكاثر. وبدأ عدد السكان بالتوقف بل وفي عديد من البلدان بدأ عدد السكان بالهبوط، ومن بين الأمم الأوروبية السبع والأربعين هناك أمة واحدة فقط، ألبانيا المسلمة، كانت وما تزال تحتفظ في العام2000 بمعدل مواليد كاف ليبقيها حية إلى أجل غير محدد، أما بقية أوروبا فقد بدأت تموت”.


ويكمل المؤلف قائلا: “يوم أوروبا قد انتهى والهجرات الضخمة القادمة من العالم الإسلامي سوف تغير التركيب العرقي للقارة القديمة”. ويؤكد الكاتب في كتابه على انهيار النظام الأخلاقي في الغرب فيقول: “حتى وقت متأخر من خمسينات القرن الماضي كان الطلاق فضيحة والعيش معا بلا زواج يوصف بأنه الكيفية التي تعيش بها القمامة البيضاء وكان الإجهاض مقززا واللواط هو الشيء الذي لا يجرؤ أحد أن ينطق باسمه… أما اليوم فقد انتشر الزنا المتعمد غير المنضبط والطلاق على نطاق واسع وشاعت فلسفة الانحلال والشذوذ وأصبح الإجهاض حقا للنساء يدافعن عنه، وهذه علامات موت لا حياة”.


وسط هذا الحال من الضياع والانحلال الذي يشهده الغرب وعلى لسان مفكريه يظهر لنا أن طريق الرأسمالية غير محفوف بالزهور أكثر منه بالأشواك، وأن هذه الصراعات والتناقضات التي يعيشها المبدأ الرأسمالي ما هي إلا طريق سريع حتمي نحو الهاوية.


علينا أن ندرك أن حاجة الغرب للإسلام اليوم هي أكثر من حاجتهم للطعام والشراب. ولا يفهم من كل هذا أن الدعوة هي دعوة للأخلاق على أهميتها، بل هي دعوة لتطبيق دين رباني منزه عن الأخطاء والتضاد، شامل متكامل، وما الأخلاق إلا جزء منه يتصف فيها المؤمن على أنها أوامر ونواه. دين يبني مجتمعا ساميا سليما ونبيلا، يغرس في أفراده أخلاقا مرموقة وقدوة صالحة منذ نعومة أظفارهم. دين لا يمكن تطبيقه كاملا إلا عبر دولة الإسلام دولة الخلافة، وهذا هو لب الموضوع.


وفي الذكرى المئوية لهدم دولة الخلافة نسأل الله أن يمن علينا بدولة الخلافة الراشدة الثانية قريبا غير بعيد.


#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نور رامي – الأرض المباركة (فلسطين)

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة