رضا الله بإقامة الخلافة


تستند كثير من الأحزاب والمفكرين اليوم إلى أفكار متباينة تعكس وتحكي اختلاف سلوكياتهم النابعة من اختلاف تلك الأفكار، ولكن ما يكشف زيف تلك الأفكار أو صدقها مدى مطابقتها للأدلة الشرعية إضافة إلى صدق نجاحها في الواقع المعاش لتعكس نتائج طيبة لها أثرها في الحياة، ومن هذه الأفكار الأفكار التي تتعلق بوجهة النظر في الحياة، أي العقيدة وما ينبثق عنها من أنظمة تعالج مشاكل البشر. فإن كانت تلك العقيدة صحيحة كان ما نتج عنها صحيحاً والعكس صحيح. وتختلف أحزاب اليوم ليس في أخذها للعقيدة فمعظمها وأخص منها الإسلامية تأخذ بها مع وجود بعض الشوائب، ولكن ما أقصده هو ما ينبثق عن هذه العقيدة من أفكار ومعالجات حيث هنا لب الاختلاف، فمثلا تختلف اليوم الجماعات في طريقة إقامتها للإسلام ودولته، وكأن هذا الاختلاف هو من باب التنوع في الأسلوب أو الوسيلة رغم أن هذا الاختلاف غير جائز لكونه حكماً شرعياً ثابتاً لا يتغير بتغير الزمان أو المكان أو الظروف لأن الذي يتغير هي فقط الوسائل والأساليب، أما طريقة التغيير فثابتة وهي طريقة الرسول ﷺ، فالأشخاص هم الأشخاص لم يحدث بهم أي تغيير، فالإنسان تتكون شخصيته من جانب عقلي وآخر نفسي فهو الإنسان ذاته الذي يتكون من لحم ودم وعظم. فالتغيير لا يكون إلا كما علمنا رسول الله تغيير الأفكار لدى الإنسان لأنها هي التي تحدث تغييرا في المفاهيم والتي حتما تؤثر في السلوك، وما اختلف ليس إلا نوع الأفكار، فكانت أفكار الكفر كعبادة الأوثان ووأد البنات والغش في الميزان والقمار والربا والزنا، واليوم أفكار الديمقراطية ومساواة الرجل بالمرأة والحريات، فلم تتغير هذه الأفكار سوى في شكلها ولكنها ترجع في أصلها الباطل مخالفة لأفكار الإسلام. لذلك بعث رب هذا الكون عز وجل رسوله الكريم ﷺ ليغيير هذا الواقع ويصلح حاله وينقله من حال الانحطاط إلى حال الارتباط بالله عز وجل ونشر أوامره عز وجل والانتهاء عن نواهيه عبر إقامة شرعه، فقد قال الله سبحانه في محكم كتابه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، فكانت العبادة الحقيقية هي الامتثال والاستسلام والخضوع بكل ما أمرنا الله به ونهانا عنه بإقامة الإسلام في الأرض.


والسؤال المطروح كيف يقام الإسلام في الأرض لننال رضا الله عز وجل؟ ومن الموكول له إقامة الإسلام؟ إنه مما لا شك فيه أن قيام الإسلام فرض علينا ولكن من نحن؟ هل نحن كأفراد أو كجماعات أو كدولة؟


قبل أن نحدد من هو الموكول له إقامة الإسلام لا بد لنا أن نعرف كيف يقام الإسلام؟ هل بالعبادات بالصلاة والنوافل والصدقات والصيام والحج فقط أم بأعمال تضاف للأولى؟ إن نظرنا للإسلام فإننا نعلم أنه نظام غير كهنوتي وليس نظاماً تعبدياً فقط بل جاء ليعالج ثلاث مشاكل وعلاقات هي: علاقة الإنسان بخالقه (العقائد والعبادات)، وعلاقة الإنسان بنفسه (المطعومات والمشروبات والأخلاق)، وعلاقة الإنسان بغيره (المعاملات والعقوبات)، فكيف نطبق مثلا فرض الزكاة وإزالة الربا والقمار والغش في الميزان وتطبيق عقوبة السرقة والقتل والزنا وجمع الجزية والخراج والعشور والفيء والركاز وإقامة الجهاد ونشر الإسلام وبث فكر الإسلام في المجتمع وإقامة الصلاة وليس أداءها، أي تطبيق الإسلام كاملا من غير نقص أو تدرج، فالفرد لا يستطيع فعل ذلك بمفرده. ومن قراءة سيرة المصطفى ﷺ لم يستطع أن يقيمها ولو كان باستطاعته لفعلها وهو خير البشر، ثم إن الفرد موكول له فروض فرضها الله عليه كإقامة الصلاة والزكاة وسائر العبادات والأخلاق كالأمانة والصدق والعفاف والبعد عن الفحشاء والمنكر، وهذا ما دلت عليه الآيات الكريمة ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾، ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾.


أما بالنسبة للكتلة والجماعة فهي ليس بمقدورها القيام بذلك لأنها مهما كانت قوتها فلن تستطيع القيام بكل أعباء تطبيق نظام الإسلام كاملا، ولو فعلت ذلك لكانت عرضة لكثير من المشاكل مع المجتمع كما حدث مع كثير من الجماعات التي حاولت فعل ذلك، وكذلك الآية الكريمة وضحت ذلك ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ فكانت مهمتها كما وضحتها الآية هي دعوة الناس للإسلام ونشر فكره والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يبق سوى الدولة وهي لا شك من تستطيع أن تقوم بهذا الحمل الثقيل، وهذا ما دلت عليه سيرة الرسول حينما أسس دولة الإسلام في المدينة، حيث قام بتطبيق الإسلام فيها فأنشأ دستوراً إسلامياً وعين الولاة والحكام وأقام الحدود ونظم المال وعين القضاة وقام بنشر الإسلام بالدعوة والجهاد، ولا شك أنها أعمال دولة وليست أعمال جماعة. ولذلك نقول إن تطبيق الإسلام لا يكون إلا بقيام دولة تحكم به وهذا ما دلت عليه الآيات ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، أما الأحاديث «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» فيبشرنا رسولنا بدولة قادمة ليطبق فيها الإسلام. فهل يبشر بأمر سيأتي من السماء أم بأمر لا بد أن نعمل لإيجاده؟ وحديث «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أي البيعة على وجود حاكم يحكم بما أنزل الله. ثم واقع سيرة النبي ﷺ أنه لم يطبق الإسلام إلا بعد أن أقام الدولة فلم يستطع تطبيقه وهو في مكة ولكنه بمجرد أن أقام الإسلام عبر دولته في المدينة باشر بالتطبيق.


ولنأت لمحور آخر وهو من يقيم هذه الدولة؟ إنه من المعلوم من الآية الكريمة ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ﴾ أن الجماعة هي من تقيم هذه الدولة من خلال عملها وهو العمل الفكري؛ من فهم الإسلام ونشره وتعليم الناس له وطلب النصرة والمنعة من أهل القوة لحماية الدعوة وإقامة الدولة ونشر الإسلام، وهذا ما قام به الرسول ﷺ من إنشاء جماعة وهم صحابته الذين ثقفهم بثقافة الإسلام فكون شخصياتهم الإسلامية بجانبيها العقلي والنفسي ليخوضوا الصراع الفكري مع مجتمعهم ثم يخوضوا الصراع السياسي. ومثال على ذلك ما قام به ابن مسعود عندما قرأ على مسامع قريش القرآن وأزعجهم بها، وكما صعقت الآيات أبا لهب والمغيرة بمهاجمتهم وتعريتهم. ثم طلب النصرة من أهل القوة من القبائل التي رفضت ثم بالقبول من الأنصار الذين بهم أقيمت دولة الإسلام، فكان بالفعل من أقام الدولة هو الجماعة. ولكن لا بد لهذه الجماعة من شروط، وقبل الخوض في شروطها يجب التنبيه بأن لا تكون هذه الجماعة كجماعات اليوم والتي تقوم بـ:


1- المشاركة في الحكم وأنظمته ودخول اللعبة الديمقراطية كما في مصر وتونس والمغرب والسلطة الفلسطينية، وحتى في حكومة بريمر الأمريكي في العراق، فكانت مخالفة لطريقة الرسول الذي لم يشارك حكم قريش في نظامها الوضعي الكفري مع فارق أنهم كفار ونحن مسلمون، ولكن الحديث عن مشاركة الحكم الوضعي غير الإسلامي ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.


2- بالأعمال المادية والعنف مع العلم أنه صلوات ربي وسلامه عليه لم يقم بذلك، فقد استأذنه عبد الرحمن بن عوف للقيام بذلك فأجابه أمرنا بالعفو وأن لا نقاتل القوم. كما هو حال جماعات أفغانستان.


3- السفر للخارج ودعوة الناس للإسلام فلم يسافر رسول الله هو وجماعته عندما تجمد مجتمع مكة أمام الدعوة للروم أو للفرس أو لمصر أو للشام ليهديهم للإسلام، بل ركز دعوته في إقامة دولة الإسلام، ثم عمل على ضم من بجانب هذه الدولة ثم قام بالفتوحات الإسلامية بالدعوة والجهاد.


4- الدعوة للطائفية والمذهبية بحجة محبتهم لرسول الله وآل بيته، فهذا لم يقم به رسول الله ﷺ ولم يخص أحد من أهل بيته بذلك حتى إنه قال: «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» رغم أنها فلذة كبده، فالحق أحق أن يتبع، وجعل الميزان والأفضلية للتقوى ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾، وقال ﷺ: «أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى» وقال: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» وقال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ»، ولذلك تحرم كل دعوة عصبية سواء أكانت لقومية أو وطنية أو مذهبية أو عنصرية أو إقليمية أو طبقية أو مناطقية أو غيرها، فلا أفضلية إلا للتقوى والإسلام.


5- الدعوة إلى إقامة السنن والنوافل والاعتراف بحكام اليوم بأنهم ولاة أمر، فهل إقامة الدين يكون بترك الفروض والواجبات كفرض قيام الخلافة الذي هو من أوجب الواجبات وإقامة الإسلام وتطبيقه وفرض الدستور الإسلامي ونشر الإسلام بالدعوة والجهاد ومحاسبة الحكام على تقصيرهم في تطبيق الإسلام في الحكم والمعاملات والاقتصاد والقضاء والتعليم والصحة والتربية وغيرها، فأين هذه كلها؟ فلِمَ هذا كله وقد كان رسول الله غير مداهن ولا مجامل بل يتكلم بالحق، وقد تعرض ما تعرض له من قول الحق وعدم خوفه في الله لومة لائم. قال رسول الله ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» فأين هم من يسمون أنفسهم بالعلماء من قول كلمة الحق، إن ولي الأمر هو وكيل عن الأمة ببيعة صحيحة على تولي شؤون المسلمين بإقامة الإسلام فيهم وتحكيم شرع الله ونشر الإسلام للعالم بالدعوة والجهاد، فلا مكان لهؤلاء الحكام في بلاد المسلمين ولا مكان لهم إلا إلقاءهم في هاوية سحيقة. ولذلك لا رضا لله إلا بإقامة الإسلام عبر قيام دولته، لا بأي طريقة سوى طريقة الإسلام، طريقة الرسول ﷺ الواجبة الاتباع لأنها حكم شرعي ثابت لا يتغير، وهذا لا يكون إلا وفق كتلة تعمل لذلك وتتوفر فيها:


1- هدف شامل أساسي كلي مبدئي تسعى إلى تحقيقه في الحياة لنيل رضا الله وبه تعالج مشاكل الحياة ولا يكون ذلك إلا بإقامة الخلافة لأنها الطريقة الوحيدة لتنفيذ الإسلام.


2- طريقتها طريقة الرسول ﷺ في إقامة الدولة لأن بها يقام الإسلام وبدونها لا يقام كما هو حالنا اليوم.


3- سلامة العقيدة والأفكار التي تدعو إليها وكذلك سلامة القواعد الشرعية من أي شوائب أو قواعد باطلة قد تختلط بها.


4- عدم تلقيها لأي دعم من دول العالم اليوم لأنها حينها ستكون أسيرة ورهينة لهدف وغاية من يدعمها فتضيع كل أهدافها التي كانت تنوي تحقيقها.


5- أن تدعو دعوة فكرية في المجتمع دون مجاملة أو نفاق بل تتحدث بالحق ولا تخاف في الله لومة لائم.


6- لها مشروع نهضوي حقيقي ينهض بالأمة وينقذ البشر من إرهاب الرأسمالية العفنة والتي أذاقتهم البؤس والشقاء والصراع والأمراض الجسدية والنفسية والقتل والفقر والشذوذ والحقد والأنانية والكره.


7- أن يكون لديها الوعي السياسي الكافي لإفشال كل مشاريع الغرب وأذنابه من الحكام.


8- سياسية ترعى الناس على بصيرة بالإسلام وتثقف الأمة بثقافة الإسلام وتزيل كل ما هو مخالف الإسلام لتوعية الأمة وقيادتها إلى بر نجاتها.


9- عالمية تنشر الفكر في كل مكان فتنير للبشر درب سيرهم.


10- تبتغي مرضاة الله لا مرضاة ذاتها وأهوائها أي لا يكون هدفها دنيويا بل سعيها للآخرة.


نعم إن نوال رضوان الله لا يتحقق إلا بإقامة شرعه وإسلامه الذي أمرنا بتطبيقه ونشره وإنارة سبل الخير للعالم، وهذا لا يكون إلا كما أقامها الأولون وذلك بإقامة دولة الإسلام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة والتي بينت ذلك الأدلة الشرعية والواقع المعاش الذي نعيشه، فهلم يا أمة محمد للعمل مع الكتلة المنجية بإذن الله مع حزب التحرير الذي به تبرأ الذمة وتنقذ الأمة وتشتد به الهمة.


#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ عبد الرحمن العامري – ولاية اليمن

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة