أمة على مفترق طرق

منذ أن تم الإعلان عن انطلاقة انتفاضة الشباب المسلم والسلطة الحالية وأبواقها الإعلامية وعلماء السلاطين فيها والأحزاب العلمانية ومن لف لفها كحزب النور، في حالة هستيرية لم يسبق لها مثيل، فالكل رفع عقيرته بالصياح والندب والتهديد والوعيد، بل هناك من طالب الداخلية بقتل مليون متظاهر في سبيل الحفاظ على النظام الذي وضعه وأمثاله في هذا المكان ليطل على الناس كل يوم بطلعته القبيحة ليبث سمومه القاتلة للناس، بينما آخر أظهر شجاعة فائقة لم نعهدها عليه من قبل وطلب من الشرطة والجيش أن تتنحى وتترك له ولبلطجيته “المواطنون الشرفاء” أن يتصدوا لهؤلاء…، بينما أطلق حزب النور حملة أسماها “مصرنا بلا عنف” يحذر من خلالها الناس من التجاوب مع هذه الدعوة، ليستمر الحزب فيما وكل إليه من أعمال قذرة بلغت ذروتها عندما أكد نادر بكار أنهم قدموا بلاغا لوزير الأوقاف الشيخ محمد مختار جمعة، ضد أحد أئمة المساجد لوضعه منشورات عبر صفحته على موقع التواصل (الاجتماعي) “فيس بوك” يسب فيها الرئيس ويصفه بالخائن والقاتل. وفي خط مواز قام الشيخ برهامي بتخويف الناس من رابعة ثانية، ووسم من يدعو لتلك المظاهرات بالعمالة للغرب لتشويه الإسلام وكأنه وجماعته وحزبه مبرئون من كل عيب، بينما قامت الداخلية بحملة مسعورة لاعتقال كل من تظن أنه يؤيد ويدعو للنزول في 28 نوفمبر المقبل، كما أنها قامت باعتقال القيادي في جماعة الإخوان الدكتور محمد بشر الذي يبدو أنها اكتشفت فجأة أنه يتخابر مع أمريكا والنرويج، بعدما أيقنت أن وساطته بينهم وبين الإخوان لن توصلهم إلى شيء، كما وصرحت الأجهزة الأمنية بأن الميادين الثلاثة الرئيسة «التحرير والنهضة ورابعة»، ستكون في حماية الشرطة بالتعاون مع القوات المسلحة خلال الأحداث المرتقبة، تحسبًا لمحاولة الوصول للميادين والاعتصام داخلها.

بينما قامت دار الإفتاء ووزارة الأوقاف بوصف رفع المصاحف في تلك المظاهرات بالفعل الخبيث، وأن من سيفعل ذلك هم مجموعة من الخوارج، في تبرير مسبق لقتلهم واعتقالهم، ولقد كان هذا هو موضوع خطبة الجمعة السابقة على جمعة التظاهرة القادمة، والتي رددها أغلب الخطباء كالببغاوات، دون أن يقولوا لنا إذا كان هؤلاء هم الخوارج فهل السلطة الحالية تمثل نظاما كنظام الخلافة التي كان يترأسها علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟!، إذ جميعهم يتغافلون عن واقع النظام الذي لا يحكم بما أنزل الله، كما ويتغافلون عن جرائمه بحق كل من يثور أو ينتقض أو يعارض سلطتهم المتجبرة الطاغية، في حين يشحذون ألسنتهم على من يطالب بتحكيم شرع الله فيصفونهم بالتطرف والإرهاب والعمالة…، بل والأنكى من ذلك مطالبة أحد مشايخ دار الإفتاء بإصدار فتوى تبيح للجنود والضباط دهس المصاحف عندما تطارد من أسماهم بالإرهابيين في اليوم المرتقب.

لقد فقد النظام صوابه وبدأ يعد على الناس أنفاسهم ويتحسب لما يمكن أن تؤدي إليه تلك التظاهرات من حراك قد يهدد وجوده، خاصة وأن تلك التظاهرات ترفع شعارات إسلامية بخلاف ما كان في الخامس والعشرين من يناير من شعارات زائفة كالحرية والعيش والعدالة الاجتماعية التي رأى فيها الإسلاميون الذين شاركوا في الثورة مظلة يمكن الاصطفاف تحتها مع العلمانيين واليساريين وغيرهم. فإذا بهم أو على الأقل فصيل منهم يدرك حجم الوهم الذي كانوا يعيشون فيه، فما كان يمكن لمن يريد فصل الدين عن الحياة أن يتوافق مع من يقول إن الحكم إلا لله.

إن الأمة اليوم على مفترق طرق ليس في مصر فحسب، بل وفي غيرها من بلاد المسلمين، طريق سارت فيه لعقود وما أورثها إلا ذلا وخضوعا وخنوعا في ظل أنظمة علمانية عميلة للغرب الكافر، وطريق سارت فيه لقرون كانت فيها دولتها هي الدولة الأولى في العالم وكانت زهرة الدنيا المتفتحة، وإنها ولا شك ستختار طريقها الذي يحفظ لها دينها ويمكّن له في الأرض. قد يتصور النظام الحالي أو يظن أنه قد استقر له المقام وأن هذه الأمة ماتت والسلام، وأن سدنته قد استطاعوا أن يطوعوا الناس ويضللوهم، ولكن هذا هو ظن إبليس في الجنة، فتلك الأمة أمة حية، وإنها بفضل الله قد تجاوزت مرحلة الانحطاط والتبعية والانسياق وراء كل ناعق وكل بوق، وهي قد فاقت من سباتها واختارت طريقها وتتوق لليوم الذي تعز فيه بإسلامها في ظل دولة راشدة خلافة على منهاج النبوة تعيدها لسيرتها الأولى خير أمة أخرجت للناس، وإن غدا لناظره قريب.

﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ [القصص: 5-6]

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

شريف زايد

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة