دولة الخلافة البلسم الشافي لقضايا الأمة الإسلامية المعاصرة أزمة الحكم نموذجا

 

 

لا يخفى على ذي لب وبصيرة ما يجرى من تداعيات متكررة على المشهد في بلاد المسلمين من أزمات وحروب عبثية وراءها الغرب الكافر، ولدت فقرا مدقعا متعدد الجوانب لف طوقه على كل منطقة، وأزمة حكم لا تنتهي فصولها، فلم هذا التوهان والانحطاط المدوي والتقهقر الذي أشبه بالكسر الدوري في علم الحساب؟!

 

فمنذ ما يعرف بثورات الربيع العربي في عام 2011 لم تبرد سخونة صفيح أزمة الحكم، بل زادت الأمور تعقيدا. وكأن الغرب يريد أن يعيد تشكيل المنطقة من جديد، ليعود بنا إلى أيام توزيع تركة الخلافة العثمانية التي فرط فيها المسلمون فذاقوا وبال هذا التفريط ليحصدوا حصادا مرا ومخاضا عسيرا لعودة هذا الكيان العظيم، فأصبحت الأمة الإسلامية بين مطرقة حكام عملاء وسندان الغرب الكافر.

 

(الشعب يريد إسقاط النظام) لم تحقق شيئا يذكر منذ قرابة عشر سنين من عمر الانتفاضة فجدد الغرب أدواته ودخلت فرنسا وتكاد أن تدخل أمريكا في المشهد السياسي في تونس. ففي منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2021 حشد الاتحاد العام للشغل تظاهرة كبيرة أمام البرلمان مطالبة قيس سعيد بإرجاع البرلمان والسلطة التي انفرد بها قبل ثلاثة أشهر، وهو الذي دعا أهل تونس أن يتقشفوا من هول الضائقة الاقتصادية التي سوف تمر بها البلاد وهي في الأصل موجودة منذ سنوات طوال، فالصراع على أشده بين حركة النهضة وأنصار قيس سعيد.

 

أما مصر فالسيسي زج في سجونه بالآلاف من معتقلي الرأي وأمريكا تجري معه في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2021 الحوار الاستراتيجي الذي حضره سامح شكري وزير خارجية مصر، فالقبضة الأمنية هي سلاح السيسي الذي يسبح بحمد أمريكا التي تحميه وتدعمه ليظل على كرسيه المعوجة قوائمه.

 

أما اليمن السعيد فظل في حراك فوضوي حتى يومنا هذا الذي أطاح بعبد الله صالح فلم تصدق أمريكا ذلك فسال لعابها لتوصل الحوثيين إلى سدة الحكم بدعم سعودي إيراني، من خلال حرب عبثية صورية لتفضي إلى حوار تثبت أمريكا مخالبها في اليمن عبر صراع دموي، قتلت فيه أمريكا وبريطانيا الآلاف من المسلمين، رجالا ونساء وأطفالاً وأوصلت البلد إلى فقر مدقع وأمراض وبنية تحتية متهالكة.

 

أما سوريا فالحديث يطول والقصة صعبة في السرد من جرائم يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان، فكانت البداية من درعا البلد؛ أطفال تأثروا بالجو العام بثورات الربيع العربي فكتبوا على الجدران “الشعب يريد إسقاط النظام” فاعتقلهم مجرم العصر هولاكو سوريا، وخلف هذا المجرم خمسة ملايين مشرد، ووصلت الليرة السورية إلى الآلاف مقابل الدولار. وسوريا تكاد تكون تحت التقسيم في ظروف قاسية فرضها الغرب عليها.

 

السودان ولبنان ركزوا فيهما وسطا سياسيا فاسدا قديما جديدا وأداروا لعبة الكراسي في لبنان ردحا من الزمن فلفظ أهل لبنان وسطهم السياسي الفاسد فجاء القرار العجيب بأن تجوع لبنان وتعرى ففعلوا بها الأفاعيل.

 

لبنان، ذلك المجرم الفرنسي هنري غورو الذي صنعه وطناً بلا مقومات، وطناً مقطوع الجذور عن عقيدة الأمة العظيمة، فعبر أحد اللبنانيين عن واقعها فقال (أيا وطن قد أصابك العفن أقبح ما فيك عايش وأجمل ما فيك اندفن)! فأوصلوا أهل لبنان حد التعب والجوع ليقبلوا بالوسط السياسي السيئ ليدخلوهم بيت الطاعة وقد نجحوا فجاءوا بنجيب مقياتي، لكن هيهات فظل الوسط السياسي كما هو فلم يغير جلده.

 

أما السودان فتعنت عميل أمريكا عمر البشير عندما جاءت إليه أمريكا من مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن بفكرة الحوار الوطني، حيث أعلن عمر البشير مبادرة الحوار الوطني في كانون الثاني/يناير 2014 ثم بدأت جلسات الحوار الوطني في تشرين الأول/أكتوبر 2015 ليتحول السودان إلى حكم ديمقراطي تمسك أمريكا بزمام المبادرة فرفض عمر البشير التنازل عن ترشيح نفسه (فدغمس) الفكرة. فجاءت أمريكا بانتفاضة 19 كانون الأول/ديسمبر مطلقة رصاصة الرحمة عليه لتدور بأهل السودان الدوائر الشريرة من جوع وانفراط أمن وحروب قبلية وتداعيات تقسيم، لتفوت أمريكا الفرصة على بريطانيا بمكونها المدني.

 

وأما ليبيا فقد أصابتها قارعة الطريق فما لم تحلم به أمريكا في شمال أفريقيا وجدت ضالتها في مشهد ليبيا، فحشرت أنفها عبر عميلها خليفة حفتر، لتقصي بريطانيا وفرنسا تحت اسم (محاربة الإرهاب)، فمهدت الطريق لدخول روسيا وتركيا ومصر أوكار المطبخ الأمريكي ورأس حربتها في الصراع الدولي في الشرق الأوسط. فعاثت فسادا وتدميرا وتشريدا فأصبحت ليبيا بوتقة ساخنة لا تهدأ، ثم استغلت مؤتمر الصخيرات في المغرب ثم رفضته عبر عميلها حفتر، ثم جاءت حاضرة بقوة في مؤتمر برلين الأول في كانون الثاني/يناير 2020 الذي حضره مايك بامبيو، ثم حضر مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا في حزيران/يونيو 2020 وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، ثم أرسلت لمؤتمر باريس حول ليبيا كاميلا هاريس.

 

حيث علق أسامة القماطي (معهد صادق) الليبي للأبحاث لفرانس برس قائلا إن وجود الولايات المتحدة في الاجتماع بهذا التمثيل يعني ضغوطاً دبلوماسية على الفصائل الليبية التي تسعى إلى تأخير الانتخابات. (العين الإخبارية)، فأمريكا تريد أن تفوز بأكبر قدر من الكيكة.

 

لقد فرض الغرب الكافر وضعا كارثيا على الأمة الإسلامية فخطا خطوات كبيرة ضد الإسلام، فجعل الإسلام هو العدو الأول ومن يدعو له إرهابياً راديكاليا يجب إقصاؤه، وللأسف لم نسمع بأي حزب طوال فترة حراك الربيع العربي مرورا بالسودان أو متظاهرين انحازوا للإسلام ليبينوا الانتهاك الخطير الذي يمارس ضد أحكام الإسلام، إلا حزباً واحداً هو حزب التحرير بشهادة الجميع. تلك الانتهاكات الخطيرة ضد الإسلام لتعرف الأمة مستوى التضليل الذي تقع فيه، فأخفت ما تسمى بالأحزاب السياسية في بلاد المسلمين العدو الحقيقي (أمريكا وبريطانيا)، فجعلوا العدو الظاهر في المشهد السياسي ما يعرقل التحول الديمقراطي بضاعة الغرب الفاسدة، ويقصدون أحيانا بالمكون العسكري هو الذي يعرقل عليهم التحول الديمقراطي سواء في مصر أو السودان فأوجدوا عدواً أشبه بالحقيقي مع المؤسسة العسكرية تنوسي عندهم أم كان تضليلا متعمداً منهم بأن المكون العسكري داخل المؤسسة العسكرية قد اختطف لصالح الغرب الكافر، فما تقوم به الأحزاب من تطبيق للنظام الرأسمالي العلماني عقيدة فصل الدين عن الدولة يقوم به المكون العسكري بالدور نفسه، وفقط تريد الأحزاب تداول السلطة، فهم سيان في الارتماء في أحضان الغرب الكافر،  يطبقون نظامه العلماني الفاسد.

 

لقد صور الغرب لبعض أبناء الأمة الإسلامية بأن السعي للنهضة يمر عبر حضارته القائمة على فصل الدين عن الحياة وذلك بتطبيق النظام الديمقراطي، فأسقط لهم فكرة أن الجيش الأصل أن يكون بعيدا عن السياسة ودوره يدور في حفظ الحدود والأمن والدستور وأن يكون قومياً، وهذا ينطبق على واقع المؤسسة العسكرية.

 

لكن أن يكون الجيش منحازا لعقيدة الأمة الإسلام العظيم، فهذا غير مطروح عند بعض أبناء الأمة الإسلامية للنقاش حوله. فجعل الغرب معادلته ترتكز على محور التناقض، وهو يعلم أن إسقاط حضارته بالكامل في واقع الأمة الإسلامية أمر مستحيل. فهو يريد فكرة التناقض وسيلة ناجحة ليشغل الأمة عن قضيتها الرئيسية دولة الخلافة الجامعة للمسلمين، فجعل له عملاء من مكون عسكري ومكون مدني هنا في السودان مثلا، وأوجد لكل منهم حاضنة تضلل الأمة.

 

لقد قال أوباما عند حفل وداعه للبيت الأبيض “إن الحقيقة أن الإسلام هو المشكلة، وإن على المسلمين أن يعيدوا النظر في نصوص دينهم ويجنحوا إلى مصالحتها مع الحداثة كما فعلت المسيحية منذ قرون. وإلى أن ينفذ المسلمون هذه المراجعة فعليهم التأقلم مع الدكتاتوريات التي تحكمهم إذ هي أفضل خيار للحد من خطرهم الكوني”.

 

فتظل أمريكا وبريطانيا وفرنسا تعمل لزعزعة الاستقرار السياسي في بلاد المسلمين في صراعهم العنيف حول الحكم في المنطقة. وذلك لتدمير عقيدة الأمة ونهب ثرواتها والحيلولة دون عودتها إلى حلبة الصراع الدولي وذلك بإعلان دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

فالواجب اليوم هو الارتقاء بالأمة وذلك بتثقيفها بمفاهيم الإسلام العظيم وكشف مخططات الغرب الكافر تجاه الأمة حتى تتحصن من أشكال الجاهلية الأولى، وحتى لا يقوض الإسلام وتذهب تضحيات شبابها سدى. وكذلك يجب أن تثقف الأمة بنظام الحكم في الإسلام بأدلته التفصيلية ليشكل رأياً عاماً واعياً حتى تتمكن الأمة من لفظ الأنظمة الوضعية من ديمقراطية وعسكرية أو ملكية فكلها بضاعة فاسدة أوجدها المستعمر ليحفظ بها استعماره في بلاد المسلمين وضياع الأمة، واستخدامه لورقة الحكم لزعزعة الاستقرار السياسي في المنطقة، وذلك لصرف انتباه الأمة عن نظام الحكم في الإسلام؛ دولة الخلافة والتي جعل لها الإسلام أركاناً أربعة وأسساً ثابتة راسخة لا تتغير ولا تتبدل.

 

فالركن الأول: السيادة للشرع لقوله تعالى: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف:40]. وقال سبحانه: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 49].

 

أما الركن الثاني السلطان للأمة فهي التي تختار من ينوب عنها ليطبق شرع الله عن طريق البيعة عن رضا واختيار.

 

والركن الثالث نصب خليفة واحد فرض على الأمة. ويجب أن لا تسمح بوجود خليفتين لقول رسول الله ﷺ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا».

 

أما الركن الرابع والأخير فللخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية وهذا واضح من آيات الأمر بالطاعة وكذلك إجماع الصحابة وقاعدة (أن أمر الإمام نافذ)، و(أمر الإمام يرفع الخلاف). بهذا النظام الفريد ذي الطراز الخاص، نظام الخلافة الفرض الغائب اليوم، وهو في عنق كل مسلم يحفظ الله بها البلاد والعباد وتعطي الحقوق والواجبات. ويحفظ الله بها عقيدة الأمة، وينشر الإسلام في ربوع الدنيا. وبهذا النظام يعاد الاستقرار السياسي في هذه البلاد العظيمة، وتنتهي ورقة الحكم الخطيرة التي يلعب بها الغرب الكافر وأعوانه في بلاد المسلمين.

 

علينا أن ندرك مدى خطورة هذه الأزمة التي عطلت حضارة الإسلام ويجب علينا أن نستمد قوة فكرنا من ديننا الحنيف ونعمل لإيجاد الرأي العام الواعي، لنفوت الفرصة على أعداء الأمة الإسلامية في الداخل والخارج ونوجه بوصلة الأمة الإسلامية في الاتجاه الصحيح، وذلك بالمناداة بالخلافة التي هي البلسم الشافي لعلاج أزمة الحكم التي عصفت بالأمة إلى واد بعيد ومجهول.

 

 

 

#أقيموا_الخلافة            #الخلافة_101            #ReturnTheKhilafah          #YenidenHilafet

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الشيخ محمد السماني – ولاية السودان

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة