معشر العقلاء: الأزمة ليست أزمة هوية بل أزمة ضياع بفقد الخلافة!

 

 

 

لقد بذل الغرب الكافر المستعمر أقصى ما استطاع أن يبذل في حربه الحضارية ضد الإسلام وأهله وعودة خلافته، وفي قهر هزيمته واستنزاف طاقاته استجلب علينا كل أوباشه وعملائه ومرتزقته وسفلة القوم وأراذلهم وأخلاطهم واستخدم أقبح وأشنع أساليبه ووسائله، لعله وعساه في استمساكه بقشة الهوان ينجو من غرقه أو من سفه يمنع موج البحر الهادر من بلوغ هدفه.

 

ثم مضى بهم في حربه الحضارية بعد أن نحت لهم مفردات ومصطلحات وتراكيب واستحدث لهم قاموسا خاصا لسحق الفكر ومسخ العقول وتزييف الوعي، ثم اصطنع مشاكل وأزمات مزيفة لتصديرها وتسويقها لنا لخوض معارك وهمية، الهدف منها تصريف جهودنا وإهدارها وسحق طاقاتنا واستنزافها، وفي كل هذا يبغي حرفنا عن صراط إسلامنا المستقيم بإشغالنا بعبث طحن الهواء وسفه حرث البحر.

 

فهناك خلف السراديب المظلمة لحربه الحضارية طابور المعلمنين الذين ورثوا حقارة المستشرقين الصليبيين، لا هَمَّ ولا شغل لهم سوى الطعن في عقيدتنا وشريعتنا ورجالنا وتاريخنا. هؤلاء المعلمنون ما انفكوا ينقرون مواضعهم من سفينة ديننا وقيمه وأحكامه يبغون غيظا وحقدا خرقها، وهُمْ في حقارتهم ونذالتهم مطايا الغرب الكافر ركِب ظهورهم وصيرهم حوافر ومعاول خرق للسفينة وهدم لحديدها وخشبها ودسرها.

 

ومن نقرهم لسفينة دين هذه الأمة وسعيهم لخرقها ذلك القول الإفك بأن أزمة هذه الأمة أزمة هوية، في محاولة بائسة يائسة من الغرب الكافر وأنظمة العمالة والوظيفة الاستعمارية وأخلاط المعلمنين للإيقاع بالأمة وإيهام أبنائها بل قل مجموع الأمة أنها لا تعلم ولا تدري من هي، وفي حيرتها عن ذاتها فإن الغرب وغلمانه وسباياه هم من سيحددون لها هويتها وماهيتها وحقيقة كينونتها ووظيفتها وغاية وجودها ومصير حياتها، وبالطبع فالغرب هو البوصلة واستعبادها لفلسفته وحضارته هو بيت القصيد ومنتهى جدها وكدها!

 

نحن مع الغرب الكافر بين نارين إما أن نكون صنفا من أحقر وأرخص العملاء، يحارب بنا إسلامنا وأهلنا وعشيرتنا وأبناء آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وأسلافنا ندور حول ثقافته وحضارته كما يدور الحمار حول الرحى، وذلك حال سقط معلمنينا ورويبضات حكامنا وهم بحق محن وإحن زماننا. أو صنفا متحيرا متشككا في إسلامه وثقافته لا يلبث أن ينسلخ منه، وما كان اصطناع الأزمات الحضارية الوهمية وافتعال المشاكل الزائفة وإفك الهوية الذي قذفنا الغرب به إلا لإحداث تلك الحيرة وذلك الشك، بغية إثقالنا بجراح الشك والريبة حتى لا نطيق حراكا فنهلك صرعى حيرة، أو نستسلم لغوايته فنخسر دنيانا وآخرتنا وذلك هو الخسران المبين.

 

فإفك أزمة الهوية من نفث شيطان الغرب الكافر ونفخه وهمزه في نفوس معلمنيه فأذاعوا به، وما كانوا فينا إلا زيغ الزيغ، ويكأن خبر البشير النذير ﷺ فيهم قيل «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي… دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَ… هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا».

 

معشر العقلاء: ما كان ولا كان في زمن من زمن عمر هذه الأمة الطويل المديد وقد مضى عليها زهاء أربعة عشر قرنا وبضعا حتى يوم الناس هذا، أن استشكل واستعجم على هذه الأمة حقيقة من هي؟! فضلا أن تطرح سؤال “من هي”؟! ومن باب أولى استحال أن تتحول مسألة “من هي” إلى أزمة؟!

 

فهذه الأمة بمجموعها عامها وعالمها صغيرها وكبيرها بل وحتى مجنونها وصبيها تعلم وتدري قطعا وجزما وتؤمن يقينا أنها مخلوقة لخالقها وهو الله، وأن رزقها وأجلها بيده وأنها مخلوقة لعبادته وأنها مبعوثة ومحاسبة وأن مردها إلى الله وأن الآخرة هي المصير، وأن لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى، وأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى، فإما جنة الله برحمته لمن خاف واتقى أو ناره والعياذ بالله منها لمن ضل وعصى.

 

وهذه الأمة جبلت على حب الله وحب نبيها ﷺ حبا لا نظير ولا شبيه له ولن يكون له شبيه ولا نظير في تاريخ البشر، فهي في هيامها بحب نبيها ﷺ لا يخلو بيت من بيوت أهلها من أهل وبر أو أهل مدر إلا وبه اسم لأبنائهم باسم حبيبهم محمد ﷺ.

 

وهذه الأمة مقدسة لكتاب ربها قرآنه المجيد، يكفيك ملايين حفظته وهم في ازدياد، حتى ناداها مناديها يا أمة القرآن من باب تسميتها بأبرز ما فيها وهو كتاب ربها وختم وحيه، أما حملة دعوته والساعون الجادون لتحكيم شريعته واستئناف الحياة على أساسه فهم ملء السمع والبصر.

 

وهذه الأمة مؤمنة إيمانا راسخا ببعثها ونشورها وحسابها وجنة ربها وناره، وترجو رحمة ربها ورضاه والجنة وتستعيذ من غضبه وسخطه وناره، وتعلم حقيق حالها في هوانها وضعفها وتشرذمها وغياب إسلامها وضياع سلطانها وتمكن عدوها منها وتسلط الرويبضات الخونة على أمرها، وتأسى وتبرأ من تقصيرها وتفريطها في أمر ربها وتسعى وترجو الخلاص من هذا الحال وإن تخبطت وتعثرت في بغية إسلامها، وتستغيث ربها وترجو عونه ونصره وتمكينه. وهي تعلم يقينا أن الله لن يقبل منها صرفا ولا عدلا متى خلت نفسها من إسلامه وحياتها من شريعته.

 

معشر العقلاء: لسنا نصنع شيئا غير تفصيل ما كان بداهة في عقول العامة قبل الخاصة أنه متى أطلق اسم الأمة فُهِم منه بداهة الأمة الإسلامية. فليس يمتري عاقل أن هذه الأمة نسجها خاص ودربها على ناموس الحياة خاص ولها عقلها وقلبها الخاص، ولا يماري عاقل أن هذه الصنعة الرفيعة هي صنعة الإسلام العظيم حتى كانت به الأمة الإسلامية وعالمها هو العالم الإسلامي، ولا ينكر ويماري في ذلك إلا من قلع الغرب مخه من رأسه وأركسه في مستنقع العمالة والخيانة.

 

معشر العقلاء: أما العقول فآلت أن القول بأن الأزمة أزمة هوية كذب وبهتان وإفك عظيم وتضليل عن الحقيقة وأي تضليل، والعقل معشر العقلاء كما قال شيخ المعرة: “والعقل غرس له بالصدق إثمار”.

 

معشر العقلاء: من هذا الذي طمس الله على بصيرته فعاش لا يرى في نفسه مسلما يطمع في رحمة ومغفرة ربه مهما عظمت ذنوبه وخطاياه فكيف بأمة؟! دعوكم من شرار المعلمنين أخلاط الكفرة الصليبيين ومن ورثهم من المستشرقين الحاقدين فقد رتعوا في مراتع الحقارة وشربوا من مآسن الخيانة، فما كانوا إلا كير نفخ الغرب الصليبي الحاقد الذي لا يهدأ في إضرام نار لتحرق!

 

معشر العقلاء: إن هذه الأمة لا تعاني البتة أزمة هوية، ولكنها حقيق ويقين تعاني أزمة ومصيبة الضياع بفقد خلافتها وانفراط عقد سلطانها وشتات أمرها ونقض حياتها ومجتمعها ودارها وعسف الغرب الكافر بشرع ربها وحملها على اتباع غَيِّه وتعنتها بكفره، ضياع وتيه في صحراء الغرب القفر بين ركام حضارته المشؤومة المدمرة وحطام فلسفته المتعفنة النتنة. فهذه الأمة تعاني ضياعا وقهرا جراء أغلال وقيود الكافر المستعمر التي كبلتها، ومن قهر وجور حكام الجور والفجور رويبضات الزمن الرديء عبيد الغرب ورقيق سُخْرته، ومن نعيق ونهيق حمير المعلمنين الذي بهم فسد الفكر وفتق الرأي وخبث الذوق. وما أشقاها وأضيعها من حياة إذ اجتمعت على هذه الأمة أثافيها الثلاث؛ كافر مستعمر عدو حقود، ورويبضة عميل طاغية ظلوم، ومعلمن مغفل خسيس!!

 

معشر العقلاء: لقد صار حقا وواجبا أن نعي حقيقة ضياعنا وطبيعة صراعنا مع الغرب، من كونه صراع حضارتين على النقيض أسسا وجذورا وفروعا، حضارة ضاربة في أعماق الزمان بذرتها من وحي السماء غفت من غفلة وها هي تتمطى وتنازع فتورها لطرده عنها لتستعيد عافيتها وعنفوانها. وحضارة وليدة قبضة من أثر الشيطان وأتاها عصر الظلام فعاثت في الأرض فسادا وخرابا وجَرَّت عليهم الويلات وأوردتهم الهلاك، ثم مضت فيها سنة الله في المفسدين وها هي تنازع فناءها بل هلاكها.

 

معشر العقلاء: ما تاهت هذه الأمة عن ربها وما ارتدت ولا كفرت ولكن الغرب اللعين طمس طريقها إليه وأعنتها وأشقاها بزيغه وضلاله، وهي اليوم أقوى ما تكون متحفزة متأهبة للخلاص منه والانفكاك من قيوده والتحرر من أغلال كفره وضلاله ولا ترى إلا في إسلامها العظيم مخلصا ومنقذا، بعد أن قيض الله لها ثلة من أبنائها الواعين المخلصين الذين تكتلوا على أساس إسلامهم العظيم وجعلوا إقامة الخلافة قضيتهم في الحياة بوصفها الطريقة الشرعية لتطبيق أحكام الإسلام واستئناف الحياة الإسلامية.

 

ومن سواكم معشر حملة دعوة الإسلام العظيم والمتكتلين على أساسه والذين أقسموا أن يكونوا حراسا أمناء له ذابين عن حياضه يبذلون الغالي والنفيس في سبيل رفعته، من سواكم يكون لهذه الأمة هاديا ومرشدا؟! فوليكم الله وكفى بالله وليا مرشدا.

 

﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ

 

#أقيموا_الخلافة           #الخلافة_101            #ReturnTheKhilafah                #YenidenHilafet

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة