قيادة الأمة

 

 

 

 

 

 

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على حبيبي محمد إمام المتقين وسيد المرسلين، أما بعدُ أيها الإخوة الكرام، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡراً لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ﴾ [آل عمران: 110]

 

هذه الأمة أمةٌ عظيمة أمة بذاتها، أخرجت للناس لتحمل رسالة الإسلام، فهي بطبيعتها أمةٌ قائدة، والأمة القائدة التي من عملها القيادة والتي جعلها الله شاهدةً على العالمين فقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾ [البقرة: 143]، هذه الأمة التي حُمّلت أعباء الرسالة كلها وصارت نائبةً عن النبي محمد ﷺ، تشهد على الناس أجمعين، هذه أمةٌ قائدةٌ بطبعها، فإذا ما كنت تريد أن تقود أمةً للمعالي، وهي أمةٌ أصلاً منشغلةٌ بالمعالي بحكم طبعها الذي صاغه دينها فيها، فأنت أمام مهمة ليست بالمعقدة بل هي مهمةٌ يسرها الله لعباده، قيادة الأمة ليست عملاً يتصدى له الإنسان وإنما هي نتيجةٌ طبيعيةٌ لآلية وضعها الشرع الحنيف لهذه الأمة. عندما تتعثر الأمة وتتخلى عن مكانتها أو يُحال بينها وبين واجبها كما حدث بعد هدم الخلافة الإسلامية، فإن الأمة لا بد لها ممن يعملون للتغيير، لا بد من أهل الحلِّ والعقدِ فيها أن يتحركوا، لا بد للملأ من الأمة الذين يملؤون العيون، لا بد لهم أن يقودوا المسيرة وقد مُعست الأمة وأصيبت في كَبدِها، أصيبت إصابة فظيعة يوم هدمت خلافتها فنشأ في الأمةِ من يتصدون للتغيير، وكان ممن نشأ فيهم حزب التحرير فخاض غمار هذه المعركة ودخل في صناعة الأمة ودخل في الكفاح السياسي والصراع الفكري مع الأفكار الباطلة، وصرع هذه الأفكار وحطّمها وبيّن للأمةِ زّيفها، وتعرّض لسياسات الحكّام الفاشلة القبيحة التي تمثّل حراسة مصالح الاستعمار في بلاد المسلمين، وقاد الناس بهذه المفاهيم فتحلق الناس حولهُ وآمنوا بفكرته؛ فكرةِ إقامة الدين، هذه الفكرة لا تحتاج إلى كبير جهدٍ حتى تُقنعَ بها النّاس، بل إن الناس بطبيعتهم يأتون إليك إذا رفعتَ هذه الشعار، أمةٌ تُريدُ هذه القضية وتحملُ هذه المهمة ليس بينك وبينها حواجز فهي تنقاد إليك، ورغم ذلك فإن الحزب قد خاضَ غمار المعارك مع الأنظمة الفاسدة العميلة المجرمة وقدّم التضحيات الكبيرة وقدّم الشهداء وقدّم كثيراً من الجهود العظيمة، وشبابه يسجنون في كافة أنحاء الأرض ويتعرضون للتضييق عليهم في الأرزاق وفي كل شيء. عندما حدث التفاعل من الحزب في هذه الأمة أثمر التفاعل رأياً عاماً في هذه الأمة على الأفكار التي تناولها الحزب فيها، وأخذ الناس بهذا الأمر، وصارت فكرة الخلافة وما يتصلُ بها من أمور أساسية شائعة في المسلمين ماثلةً في عقولهم وفي مواضع التأثير في نفوسهم، حمل الناس هذه الأفكار وتحركوا بها واستجابوا لنداءات حملة الدعوة ومضوا في هذا الطريق معاً.

 

لكنّ انقياد الناس لهذه الدعوة لا يلمسُ لمساً حسياً مباشراً وذلك لأسباب، من هذه الأسباب التي لا تُلمس فيها القيادة الفعلية أن النظام الذي نحياه مليءٌ بأشجار الدمن وخضراوات الدمن، وأقصد بذلك الحركات التي تعتاش على المال السياسي القذر، التي تكبر وتنتفخ فيراها الجهالُ فيظنونها شيئاً كبيراً، فإذا ما رأوا حملة الدين الحقيقيين ليس لهم الأثر المادي الملموس في المجتمع ظنوا أن أولئك خيرٌ من هؤلاء، والحال ليس كذلك فإن محمداً ﷺ كان طريداً مهاجراً متخفياً في الغار لكنه كان مؤثراً وكان له وهج وكانت له قوة وكان له انقياد، وعلى الرغم من أن الصولة والجولة في يدي عدوه وأنهم يملكون القوة المادية الكبرى ويظهرون في الميدان أنهم أصحاب القرار وأصحاب الكلمة وأصحاب القيادة وأن الناس منقادون إليهم، إلا أن الحق أن الناس منقادون لهذا الفكر الجديد الذي جاء به محمد ﷺ، لهذا الدين الحق الذي أوحاه الله عز وجل إلى محمد ﷺ، فلم يكن له بهرجٌ ماديٌّ طاغٍ يدل على أن محمدا ﷺ قد مدَّ جناحيه في الأرض وأثّر وانقاد الناس إليه، لم يكن هذا ظاهراً إنما كان في الخفاء، وكذلك الحركةُ المبدئيةُ التي لا تلتصقُ بالواقع ولا تدخلُ في معادلات المكاسب المادية الآنية والتي تقف عند المبدأ لا تتجاوزه، هذه الحركات لا يظهر حجمها الحقيقي، أثرها الفاعل، قبل أن تملك زمام الأمر وإنما كما قال الله تعالى تكون في ثوب الضعف والذلِ أمام الناس فيؤويها الله عز وجل وينصرها: ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الانفال: 26].

 

فقد كانوا قبل أن يؤوَوا من الله عز وجل كانوا خائفين، كانوا قلة، كانوا مستضعفين، فلو قالوا نحن القادة لسخر القوم منهم، لو قالوا إن الأمة تنقاد لنا لقال الناس أثبتوا لنا بالبرهان الساطع وبالبيان الواضح.

 

فيا أيها الإخوة الكرام، يا حملة الدين، يا حملة الدعوة، ثقوا أن الأمة منقادة إليكم، لكن هناك حوائل تشعركم أنكم بعيدون عنها، فمثلاً سيطرة الكافر المستعمر على الأنظمة وعلى الأوساط السياسية ونفاذه في هذه الحكومات العميلة المجرمة يُشعرُ الناس أن السلطان لهذه القوة التي تبدو طاغية في المجتمع مع أن هذه القوة نخرها السوس؛ فقدت مشروعيتها، بانت سوءتها، صارت البرلمانات التي وضعتها هذه الأنظمة لتكون ديكوراً وتجميلاً لها، صار يقف النائبُ فيها، كما حصل في الأردن، فيقول نحن دولةٌ وظيفيةٌ أنشأنا الاستعمار لحماية العدو وهذا الاستعمار يمنعنا من استخراج ثرواتنا ويريد أن يجعلنا في هذا الضمور وهذا الضعف، هذا صار يقال في المؤسسات التي تتبع لهذه الدول المهترئة، صار يقول هذا الكلام أبناء هذه الأنظمة لأن الحقيقة تصدم الجميع، فنحن عندما نقول إن قيادة الأمة في أيدينا فذلك حق لأننا نجتمع مع الأمة على لغةٍ واحدة وحسٍ واحد وهدفٍ واحد، نجتمع مع الأمة على طريقٍ واحد، نجتمع مع الأمة على فكرٍ واحد، نجتمع معها على دينٍ واحد، المسافة بيننا وبينها صفرية، ثم إن ثقة الأمة بمن يحملون الدين لا تتزعزع ولا تتراجع، ثقةٌ تزداد يوماً بعد يوم، فثقوا أيها الإخوة أن قيادة الأمة هي في أيدي الثلة المؤمنة التي سعت للتغيير وأعلنت لونها بصراحة ووضوح دون تملق ولا تزلف ولا تلون ولا تبدل ولا تغيُّر، هذه الفئة التي ثبتت على الحق ولم تكن فئة واقعية تضمر وتضرب بالصفعات لأنها آمنت أن القيادة تؤخذ بالصندوق الزائف أو أنها تؤخذ بالتزلف والخضوع لآليات المجتمع الفاسدة. أنتم تقودون الأمة بثباتكم وصبركم وإصراركم وعزيمتكم، هذا الذي ينولكم قيادة الأمة فعلاً، وما هي إلا لحظات، ما هي إلا أيام أو أشهر أو مدد قريبة إن شاء الله تعالى، حتى يأذن الله عز وجل بفرجه، القضية قضية تحطيم حواجز وضعت أمامنا، وهذه الحواجز لا بد أن ننفذ إليها ونحطمها بتوفيق الله وبإذنه ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: 5]، هذا أمرٌ معلوم لا بد أن يحصل. الذي يحول بيننا وبين الأمة حواجز مادية لا بد أن نكسرها، لا بد أن يقيض الله لنا رجلاً صالحاً أو رجالاً صالحين في هذه الجيوش يحملون قضيتنا ويحملون همنا ويقبلون علينا.

 

اللهم إنا نسألك أن تعجل لنا بهم يا أرحم الراحمين وأن تيسر لنا نصرةً عظيمة عاجلة يا أكرم الأكرمين، اللهم هيئ لنا أهل نصرةٍ يحملون همنا ويحملون قضيتنا وينصرون ديننا يا أرحم الراحمين… وبارك الله فيكم، والسلام عليكم.

 

 

الشيخ يوسف مخارزة

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة