الهجرة الحدث الفارق في حياة الأمة

 

الهجرة ليست فقط الحدث المفصلي في تاريخ الأمة وإنما هي بدء الحياة الإسلامية من خلال دولة ترعى شئون الناس بالإسلام، وتحمله للعالم بالدعوة والجهاد، ولذا كان فرح الأنصار شديدا ظاهرا تبينه رسول الله ﷺ من وجوههم، وكأني به يتذكر كيف كان عداء أهل مكة له ولأصحابه وكيف آذوه بالتعذيب والسب والمنع والدعاوى المضللة، وكأني به يتذكر كل هذا وهو ينظر إلى أهل نصرته وكلهم يناديه يا رسول الله هلم إلينا هلم إلى أهل العدد والعدة والسلاح والمنعة والنصرة، نعم فهم يعرفون مراد رسول الله ﷺ منهم، وكلهم رغبة في نصرته وحمايته وحماية دعوته، فارتفعت أصواتهم، أن هلم إلينا نحن ننصرك يا رسول الله ونحميك ونحمي دعوتك وأصحابك، هلم إلينا نحن أهل نصرتك، وكلهم راغب في نيل هذا الشرف؛ شرف النصرة، نصرة الإسلام ونبيه ودعوته ودولته.

 

وكأني به ﷺ وهو على هذه الحال يتذكر كيف هجر أصحابه وطردوا وصودرت أموالهم كما يحدث الآن للكثير من أبناء الأمة على يد الخونة والعملاء في كل زمان ومكان.

 

وكأني به ﷺ يتذكر كيف أحاط به إحاطة السوار بالمعصم ليلة الهجرة أربعون رجلا يمثلون أربعين قبيلة أو بيتا من بيوت العرب اجتمعوا بسيوفهم ليقتلوا رسول الله بضربة رجل واحد، فخرج عليهم مؤيَّدا بنصر من الله تالياً قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ ومحققا قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ﴾ كل هذا يحدث الآن مع أبناء الأمة من مصر إلى غزة وكل فلسطين إلى الشام التي تحالفت كل قوى الغرب عليها لوأد ثورتها التي اجتمعت على ثوابت ثلاثة؛ إسقاط النظام بكل أركانه، والانعتاق من التبعية للغرب وأذنانه وعملائه، وإقامة الخلافة على منهاج النبوة تحكم بالإسلام كاملا شاملا غير منقوص.

 

وكأني به ﷺ يتذكر كل هذا وهو يرى وجوه أهل نصرته فرحة به وبقدومه ومقبلة على نصرته ونصرة دعوته وحملها معه ومع أصحابه للعالم بالدعوة والجهاد.

 

وكأني به ﷺ يرى فرحهم بكل هذا رغم ما فيه من معاداة للعالم كله حينها كما هو حال من ينصر الدعوة لاستئناف الحياة الإسلامية الآن من كون نصرته لهذه الدعوة وحمله لها يضعه في عداوة العالم كله ويجعله عرضة لصب كل أنواع الهجوم عليه ولكنه لن ينصر هذا الدين إلا من أحاطه من جميع جوانبه.

 

وهذا ما تحقق في الأوس والخزرج الذين خرجوا فرحين متهللين بقدوم رسول الله ﷺ إليهم حاكما مطاعا فيهم فارتجلوا كلمات عظيمات عبرت عن فرحهم وشكرهم فخرجت عظيمة من أفواههم، فما إن رأوه ﷺ حتى ابتدروا سيوفهم واصطفوا حوله صفين يقولون “طلع البدر علينا من ثنيات الوداع”، فها قد طلع بدرهم وهلّ نورهم وأشرق فجر عزهم ومجدهم بخير عقيدة وخير قائد، فقالوا “وجب الشكر علينا ما دعا لله داع”، وجب علينا شكر الله ما حيينا وما بقي فينا نفس ينطق وعرق ينبض، ثم أعلنوا طاعتهم المطلقة لرسول الله ﷺ قائلين “أيها المبعوث فينا جئت بالأمر المطاع”، فقد من الله علينا بخير منة وشرفنا خير شرف أن بعثك فينا ولنا نبيا رسولا قائدا مطاعا فأنت شرفت المدينة ونورتها بنورك وبركاتك وأصحابك، فترجموا ذلك قائلين “جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع”، مرحبا يا من شرفتنا بقدومك إلينا ونزولك دارنا وحلول بركاتك فينا، ثم قالوا “قد لبسنا ثوب عز بعد تمزيق الرقاع”، قد لبسنا بقدومك إلينا ثوب عز فيه عزنا وكرامتنا وسؤددنا ووحدتنا وتأليف قلوبنا بعد أن مزقت رقعتنا ومزقتنا الفتن والعصبية إلى مزق كثيرة يعادي الأخ فيها أخاه فجعلك الله لنا نجاة فألف بك وعلى دعوتك بين قلوبنا فصرنا بنعمة الله إخوانا وصار المتقاتلان أخوين بما في هذه العقيدة من رباط يجمع ولا يفرق فهي التي جمعت بين محمد ﷺ وهو عربي وبين سلمان الفارسي وبلال الحبشي وصهيب الرومي، وفرقت بينه ﷺ وهو عربي من العرب وبين عمه أبي لهب رغم رابطة القومية بينهما، وفرقت بينه وبين أبي جهل رغم رابطة الوطنية بينها، وجعلت من المدينة دار هجرته ودار حكمه وفيها مسجده وقبره ﷺ.

 

هكذا أصبح الأنصار أنصار رسول الله ﷺ الذين ذكّرهم بها فقال لهم: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِمُحَمَّدٍ تَحُوزُونَهُ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟» فقالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ رَضِينَا، فقَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِياً وَسَلَكَتْ الْأَنْصَارُ شِعْباً لَأَخَذْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ» رواه مسلم.

 

وها نحن منذ أكثر من قرن ننتظر بدر هذه الأمة وبزوغ فجر عزها ومجدها وشرفها وسيادتها، ننتظر أنصارا كأنصار الأمس، أنصارا كسعد وأسعد وأسيد ينصرون هذا الدين وهذه الدعوة دون قيد ولا شرط فقط لقاء الجنة.

 

ننتظر من الأمة أن تهب منتصرة لدينها منتفضة لإقامة خلافتها محتضنة المخلصين العاملين لإقامتها فيهم بعد أن أصبح تحكيم الإسلام رأيا عاما يريده الناس ولا نجاة لهم بغيره، يحتاج فقط نصرة من أهل القوة والمنعة من أبناء الأمة المخلصين في جيوشها فيسلموا الحكم للمخلصين من أبناء الأمة ليحكموا بالإسلام كاملا شاملا غير منقوص في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

فإذا تعانق الرأي العام ومن يحملون مشروع الإسلام القادرين على تطبيقه حقا وفورا مع أهل القوة والمنعة من أبناء الأمة وجدت تربة خصبة قادرة على إيصال الإسلام للحكم مرة أخرى كما وصل في الدولة الأولى على يد رسول الله ﷺ.

 

فاللهم يسر لنا أهل نصرة يعيدون سيرة الأنصار وينصرون هذا الدين وأهله ويوضع بهم الإسلام موضع التطبيق من جديد في دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعيد فضل

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر

 

 

تطبيق دستور الأمة الإسلامية


الخلافة ميراث النبوة


قناة الخلافة